Description
“الجهل يعمي أبصارنا ويضللنا
أيها البشر الفانون ! افتحوا أعينكم !”
ليوناردو دافنشي
في رواية الكاتب البوليسي “دان بروان” الثالثة, والثانية لشخصية “روبرت لانجدون” عالم الرموز, يحدثنا عن الأصول التاريخية لوضع المرأة في ثنايا قصته البوليسية المحبوكة جيداً, والمرصعة بالأعمال الفنية لفنانين تمركزت أعمالهم عن هذه القضية
“الكريبتكس”
“جزء من لوحة العشاء الأخير لـ ليوناردو دافنشي”
ففي عالمنا الحالي ينظر للنساء نظرة دونية, فلا يوجد حاخامات يهوديات ولا كاهنات كاثوليكيات, ولا شيخات مسلمات
وهذا الحال كان مختلفاً تماماً في الأديان الوثنية القديمة, فقد كانت المرأة هي رمز الخصوبة والحياة, كانت المرأة مقدسة وكانت الآلهة نساء
ولكن متى وكيف حدث هذا التحول في نظرة الأديان الرئيسية للمرأة؟
“جزء من لوحة الموناليزا”
يعود الأمر, كما يحكي لنا دان بروان, للصراع بين الكنيسة المسيحية والأديان الوثنية في الدولة الرومانية
وكان آنذاك الدين الرسمي في روما هو عبادة الشمس التي لا تقهر, وكان قسطنطين هو كبير كهنتها.
لكن لسوء حظه, كان هناك اهتياج ديني متزايد يجتاح روما. فقد كان عدد أتباع المسيح يتضاعف بشكل مهول, وذلك بعد مرور ثلاثة قرون من صلبه
عندئذ بدأ المسيحيون والوثنيون يتحاربون وتصاعدت حدة النزاع بينهما حتى وصلت لدرجة هددت بانقسام روما إلى قسمين
فرأى قسطنطين أنه يجب أن يتخذ قرار حاسم في هذا الخصوص. وفي عام 325 قرر توحيد روما تحت لواء دين واحد, ألا وهو المسيحية
ولقد كان قسطنطين رجل أعمال حاد الذكاء, فقد استطاع أن يرى أن نجم المسيحية كان في صعود فقرر ببساطة أن يراهن على الفرس الرابحة
واتبع طريقة ذكية لتحويل الوثنيين عن عبادة الشمس إلى اعتناق دين المسيحية, حيث أنه خلق ديناً هجيناً كان مقبولاً من الطرفين وذلك من خلال دمج الرموز والتواريخ والطقوس الوثنية في التقاليد والعادات المسيحية الجديدة
عملية تشويه في الشكل, فأثار الدين الوثني في الرموز المسيحية شديدة الوضوح ولا يمكن نكرانها. فأقراص الشمس المصرية أصبحت الهالات التي تحيط برؤوس القديسين الكاثوليكيين, والرموز التصويرية لإيزيس وهي تحضن طفلها المعجزة حورس أصبحت أساس صورنا الحديثة لمريم العذراء تحتضن وترضع المسيح الرضيع
وكل عناصر الطقوس الكاثوليكية مثل تاج الأ��قف والمذبح والتسبيح والمناولة وطقس “طعام الرب”, كلها مأخوذة مباشرة من أديان قديمة وثنية غامضة
ولا يمكن أن تكون صدفة أن الإله الفارسي مثرا – والذي كان يلقب أيضاً بابن الرب ونور العالم – كان قد ولد 25 ديسمبر, وعندما مات دفن في قبر حجري ثم بعث حياً بعد ثلاثة أيام.
حتى أن يوم العطلة الأسبوعية قد سرق من الوثنين عابدي الشمس, ففي البداية كان المسيحيون يتعبدون مع اليهود في يوم السبت, ثم انتقلوا للاحتفال بيوم الأحد Sunday, أي يوم الشمس.
وأثناء عملية دمج الأديان تلك, كان قسطنطين بحاجة لتوطيد التعاليم المسيحية الجديدة, فقام بعقد الاجتماع المسكوني الذي عرف بالمجمع النيقاوي نسبة إلى مدينة نيقة
وفي هذا الاجتماع تمت مناقشة العديد من مظاهر المسيحية والتصويت عليها, مثل اليوم الذي سيتم فيه الاحتفال بعيد الفصح ودور الأساقفة وإدارة الأسرار المقدسة وأخيراً إلوهية يسوع المسيح
حتى تلك اللحظة في تاريخ البشرية, كان المسيح في نظر أتباعه نبياً فانياً… رجل عظيم ذو سلطة واسعة, إلا أنه كان رجلاً … إنساناً فانياً
ليس ابن الرب, ففكرة ابن الرب قد اقترحت رسمياً وتم التصويت عليها من قبل المجلس النيقاوي, وكان الفرق في الأصوات يكاد لا يذكر.
غير أن تأكيد فكرة إلوهية المسيح كان ضرورياً جداً لتوطيد الوحدة في الإمبراطورية الرومانية ولإقامة القاعدة الجديدة لسلطة الفاتيكان
ومن خلال المصادقة الرسمية على كون المسيح إبناً للرب, حول قسطنطين المسيح إلى إله مترفع عن عالم البشر … كينونة تتمتع بسلطة لا يمكن تحديدها أبداً
وهذا الأمر لم يعمل على وضع حد لتحديات الوثنيين للمسيحية فحسب, بل بسبب ذلك لن يتمكن أتباع المسيح الآن من التحرر من الخطايا إلا بواسطة طريق مقدسة جديدة وهي الكنيسة الكاثوليكية الرومانية
إن المسألة كلها كانت مسألة سلطة ونفوذ لا أكثر
وبما أن قسطنطين قد قام برفع منزلة المسيح بعد مضي حوالي أربعة قرون على موته, فقد كانت هناك الآلاف من الوثائق التي سجلت حياته على أنه إنسان فان
وعرف قسطنطين أنه لكي يتمكن من إعادة كتابة التاريخ, كان بحاجة إلى ضربة جريئة
فأمر قسطنطين, بإنجيل جديد وقام بتمويله. أبطل فيه الأناجيل التي تحدثت عن السمات الإنسانية للمسيح وزين تلك التي أظهرت المسيح بصفات إلهية وحرمت الأناجيل الأولى وتم جمعها وحرقها
وكان كل من يفضل الأناجيل الممنوعة على نسخة قسطنطين, يتهم بالهرطقة وكلمة مهرطق تعود إلى تلك اللحظة التاريخية, وإن الكلمة اللاتينية هيريتيكوس haereticus تعني الاختيار ولذا فأولئك الذين اختاروا التاريخ الأصلي للمسيح كانوا أول (المهرطقين) في التاريخ
ولحس حظ المؤرخين, فإن بعض الأناجيل التي حاول قسطنطين محوها من الوجود تمكنت من النجاة. فقد تم العثور على وثائق البحر الميت عام 1950 مخبأة في كهف, كما عثر على الوثائق القبطية 1945.
وقد تحدثت تلك الوثائق عن كهنوت المسيح بمصطلحات إنسانية تماماً بالإضافة إلى أنها روت قصة مريم المجدلية الحقيقية
وقد حاول الفاتيكان كعادته في إخفاء الحقيقة وتضليل البشر, أن يمنع نشر تلك الوثائق. حيث أن الوثائق تلقي الضوء على تناقضات وفبركات تاريخية فاضحة تؤكد بشدة أن الإنجيل الحديث كان قد جمع ونقخ على يد رجال ذوي أهداف سياسية تتجلى بنشر أكاذيب حول إلوهية الإنسان يسوع المسيح واستخدام تأثيره لتدعيم قاعدة سلطتهم ونفوذهم
إن الكنسية كانت بحاجة لإقناع العالم بأن النبي الفاني يسوع المسيح كان كائناً إلهياً
ولهذا فإن أي إنجيل من الأناجيل كان يتضمن في طياته وصفاً لمظاهر إنسانية فانية من حياة المسيح, كان يجب حذفه من الإنجيل الذي جمع في عهد قسطنطين
لكن من سوء حظ المحررين الأوائل, كان هناك موضوع بشري مزعج يتكرر في كل الأناجيل, وهو موضوع زواج يسوع من مريم المجدلية
والتي حسب إنجيل مريم المجدلية, هي من اختارها يسوع ليعهد إليها بتعاليم بناء الكنيسة المسيحية في حالة تم اغتياله, واعترض بطرس المتعصب للرجال, والذي كان يغار منها, بشدة.
وتحولت مريم المجدلية من سيدة غنية من السلالة الملكية, إلى فقيرة مومس في العهد الجديد, لكي يحطوا من قدرها, ومن بعدها قدر كل أنثى.
كان أحد أساسات الديانات القديمة مفهوم أن المرأة هي المانحة للحياة. حيث أن عملية الولادة كانت حدثاً سحرياً ومؤثراً
ولكن ذلك كان يتعارض مع مصالح رجال الكنيسة, كمحتكري طريق الخلاص, والتعاليم التي تمنح للبشر أفضل حياة. كما أن فكرة الأنثى المقدسة تغذي فكرة الآلهة الأنثى المقدسة في مقابل الإله المسيحي يسوع.
فقررت الكنيسة أن تسرق قوة المرأة الخالقة من خلال إنكار الحقيقة البيولوجية وجعل الرجل هو الخالق. يخبرنا سفر التكوين أن حواء خلقت من ضلع آدم. وبذلك أصبحت المرأة فرعاً من الرجل والأسوأ هو أنها ارتكبت خطيئة من أجل ذلك. كان سفر التكوين هو بداية النهاية بالنسبة للآلهة الأنثى.
قسطنطين وخلفاؤه الذكور نجحوا في تحويل العالم من الوثنية المؤنثة إلى المسيحية الذكورية وذلك بإطلاق حملات تشهير حولت الأنثى المقدسة إلى شيطان مريد ومحت تماماً أي أثر للآلهة الأنثى في الدين الحديث
ولم يتوقف الأمر عند الأنثى فقط, فقد قامت الكنيسة بتشويه كل رموز الديانات القديمة وشيطنتها
فالنجمة الخماسية رمز فينوس آلهة الأنوثة الحب والجمال, تم تعديلها بواسطة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية القديمة لتصبح رمز للشيطان
ورمح بوسيدون الثلاثي أصبح شوكة الشيطان
وقبعة العجوز الحكيمة المدببة أصبحت رمز الساحرة الشمطاء
وبافوميت, إله الخصوبة والإنجاب, الذي يتمثل برأس خروف, هو تصور الشيطان ذو القرنين الحالي
وأصبحت كلمة بيجان – عبادة الطبيعة – ترادف تقريباً عبادة الشيطان, والبيجانز هم حرفياً سكان القرى, والذين لم يؤمنوا بمذهب معين وتمسكوا بالأديان القروية القديمة التي تقوم على عبادة الطبيعة. ووصل خوف الكنيسة منهم لدرجة أن كلمة “فيلان” أي القروي, والتي كان يوماً بريئة, أصبحت تعني اليوم الأرواح الشريرة.
ثم كان أكثر كتاب دموي عرفه تاريخ البشرية على الإطلاق, وهو “مالوس مالفيكاروم” – أو مطرقة الساحرات – هذا الكتاب الذي لقن العالم فكرة “خطر النساء الملحدات ذوات الأفكار المتحررة”
وعلمت الإكليروس كيفية العثور عليهن وتعذيبهن وقتلهن
ومن بين اللواتي كانت تحكم عليهن الكنيسة بأنهن “ساحرات” كن كل العالمات والكاهنات والغجريات والمتصوفات ومحبات الطبيعة وجامعات الأعشاب الطبية
وكان يتم قتل القابلات بسبب ممارستهم المهرطقة حيث يستخدمن الخبرة والمعرفة الطبية لتخفيف آلام الوضع – وهي حسب ادعاء الكنيسة آلام فرضتها العدالة الإلهية على النساء عقاباً لهن على ذنب حواء التي أكلت من تفاحة المعرفة, وهذا الإدعاء كانت فكرة نشوء الخطيئة الأولى
ولعلكم تذكرون أن هذا المنع استمر للعصور الحديثة, حيث أنه عندما اكتشف المخدر في أول الأمر حظرت الكنيسة استخدامه في الولادة
وفي النهاية أثمر تشويه الحقيقة وإراقة الدماء, وتم التخلص من خمسة ملايين ساحرة في خلال الثلاثة قرون الأولى
**
و يبدو لي أن الحديث التاريخي مثل الجزء السابق من المراجعة, تمت كتابته كمقال أو بحث عن الموضوع, ثم أدخل عليها الحوار, فإذا أزلت تعليقات “صوفي”, ستجد موضوعاً مفصلاً. وبهذه الطريقة أحسست بوجود نقص ما كان قد كتبه دان براون ولكنه اقتطعه لاحقاً. جزء عن حياة المسيح الأولى. ربما لم يكن متأكداً وربما أراد حصر ردود الفعل الغاضبة في زاوية ضيقة.
لقد قدّم الكاتب كتابه في أكتر صيغة من الممكن أن يرضي بها المسيحيين, لقد قدّم الكثير من قرابين المودة ليكسبهم في صفه ضد الكنيسة الكاثوليكية, التي قدمها وكأنها قد خدعت المسيحيين.
لقد قدّم تاريخ موازي, مخالف لما يرويه الفاتيكان, فما كان من الفاتيكان إلا أن أمرت المسيحيين بعدم قراءة الكتاب.
تعم, نحن في الألفية الثالثة وهناك من يظن أنه يستطيع أن يمنع الناس من قراءة شيئاً. وتتوهم الفاتيكان بأنه عندما تخبر الناس بأن قراءة هذا الكتاب حرام, فسيمتنعون عنه.
كما أنها تتعمد التزييف بأن دان بروان يتناول المسيح بسوء, والواقع أنه إنما يتناول الكنيسة الكاثوليكية الرومانية (الفاتيكان) فقط بالسوء.
“كثيرون هم الذين اتخذوا من الأوهام
والمعجزات الزائفة وخذاع البشر تجارة لهم”
ليوناردو دافنشي
**
ترجمة الدار العربية للعلوم لـسمة محمد عبد ربه, جيدة وأمينة, وتحاكي أسلوب الكاتب لأقصى حد ممكن
Reviews
There are no reviews yet.